أفرد أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) لحرف اللام الذي يتصل بأول الأسماء والأفعال والحروف كتابا أسماه (الّلامات)، وعدّ لذلك الحرف العجيب (غير اللام الأصلية في الكلمة) ثلاثين معنى.
وهنا نتناول أحد معانيها الهامّة التي تزيد الكلام فصاحة وبياناً، وتلقي على الأسلوب العربي جمالا وجلالا، ألا وهي: لام الجحود.
تعريفها: هي لامٌ تتّصلُ بالفعلِ المضارعِ فتنصِبُه بأنْ مُضمرةً (أي: مُقَدّرةً) بعدها، ويشترط في لام الجحود أن تكون مسبوقة بـ(كون منفي)، نحو: ما كان، لم يكن، وغالب ألفاظها في القرآن يأتي مقترنا بلفظ الجلالة..
مثال: ما يكون لي ان أبخس حقّكَ.. حيث أُنزّه نفسي عن الظلم وأكل حقوق الناس.
ومن التنزيل: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الأنفال: ٣٢، وهو تشريف للنبي ﷺ ورسالته. (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) يوسف: ٧٦، وفيه حفظ الله ورعاية أقداره ليوسف عليه السلام. (وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) آل عمران: ١٧٩ وفيه جميل تدبير الله لعباده المؤمنين ورحمته بهم مهما خفيت عليهم الحكمة ودقّت مسالكُها.
فانظر: لو جاء الكلام بلا فعل (كان أو يكون)، وبلا لام، وكان النفي مجرّدا مباشرا، ما كُنّا لنبلغَ كل هذه الفوائد.
والجحود يعني النفي والإنكار، وهذه اللام تؤكد النفي الواقع على الفعل الناقص.
اللام حرف جرّ: ولام الجحود حرف جر، ولا تدخل إلا على الأسماء، لذا فإنهم يقدّرون بعدها (أنْ) وجوباً، وينصبون الفعل بها، وتصبح (أنْ) المُقدّرة والفعل المنصوب في تأويل مصدر في محل جر. والجار والمجرور (لام الجحود والمصدر المؤوّل) متعلقان بخبر كان المحذوف دائما مع لام الجحود ويقدر بكلمة (مُرِيدَاً).
ومن لطائف الزجّاجي قوله: فإن قال قائل فقد زعمتم أن إظهار (أنْ) بعد لام الجحود غير جائز، فكيف يُضمرُ ما لا يجوز إظهارُه؟ وكيف نعرف حقيقة هذه الدعوى؟
ويجيب بقوله: الجواب في ذلك أن إعرابَ الأفعالِ محمولٌ على إعرابِ الأسماءِ لأن الأسماء هي الأولى وأشد تمكّنا؛ وإنما أعربت الأفعال لمضارعتها الأسماء. فلمّا كانت الأسماء قد تُنصبُ بمضمراتٍ لا يجوز إظهارُها كقولك: إيَّاكَ والشرّ (لا يجوزُ إظهارُ ما نصبَ إيَّاكَ بإجماعٍ من النحويين)، كذلك هذه الحروف الناصبة للأفعال بإضمار (أن) لا يجوز إظهار (أن) بعدها كما لم يجز إظهار الأفعال الناصبة للأسماء.
ولعلّك فهمت الآن يا متابعاً لمنصّة (مبين) أنه ما كانَت منصّتنا لِتَدَعَكَ حائرا في أمر لام الجحود!! وما كانت جهودُك في متابعتنا لتذهبَ سُدىً دون أن تُفِيدَ منا!!
وعلى الدوام أهلا بك وسهلا.