النحو هو علم قواعد اللغة العربية، ولا يتأتى لأحد، حتى لو كان عربيّ المولد والنّشأة، أن يتعلم نطق العربية نطقا سليما، ويسلم من الخطأ فيها إذا لم يتعلّم النحو ويتقن قواعده. إنه القانون الأعلى الذي تخضع له كل أساليب العربية، وأوّل العلوم التي ينبغي للعربي تعلّمها.
ومن المفيد أن تعلم أن النحو في تعريفاتهم هو معرفة أحوال أواخر الكلام من حيث الإعراب والبناء. والإعراب (القريب اللفظ من العربية) يعني في اللغة البيان والتوضيح بعد الإبهام، وفي لسان العرب: يقال للرجل الذي أفصح بالكلام أَعْرَب. والإعراب الذي هو النحو إنما هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ.
وقال السكّاكي في مفتاح العلوم: اعلم أن علم النحو هو أن تنحو (أي: تقصد) معرفة كيفية التركيب فيما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقا بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب وقوانين مبنية عليها ليحترز بها عن الخطأ في التركيب.
وأنت واجدٌ ذلك في كلام الناس، فقد يقع المخطئ في النحو فيجعل الضارب مضروبا إذا بدّل ضمّة الفاعل إلى فتحة، فيصير مفعولا. وقد ينسب الرؤية إلى غير صاحبها إذا بدّل تاء المتكلّم إلى تاء المخاطبِ فيقول: رأيتَ، ولا يقول رأيتُ. وقد يأخذ القديم ويترك الجديد حين يقول: استبدلتُ ثوبيَ القديمَ بثوبٍ جديدٍ، حين يُدخلُ الباء على المأخوذ لا المتروك (والقاعدة تقتضي عكس ذلك).
ومُقيّدٌ للنحوِ عن معناه الشامل مَن يقفُ به عند حدود أواخر الكلم إعرابا وبناءً؛ فعلم النحو يسمى(علم الإعراب) أي الإفصاح والتبيين، والغرض منه: الاحتراز عن الخطأ في التأليف، والاقتدار على فهمه، والإفهام به، ومعنى هذا: أن النحو قوانينٌ يعرف بها أحوال التركيب؛ من نحو الترتيب والذكر والحذف والإعراب والبناء.
ومن لطيف ما نعرفه ما فرّق به علماء العربية بين علم النحو وعلم المعاني (الذي ينتمي إلى علوم البلاغة العربية)، فالنحويّ عندهم يبحث في التراكيب العربية من جهة هيئتها صحة وفساداً، ودلالة تلك الهيئات على معانيها الموضوعة لها على وجه السداد، وصاحب المعاني يبحث في التركيب الصحيح لغةً (طبقا لقواعد النحو) من جهة حسن النظم وقبحه، ولذا قالوا: ما يُبحثُ عنه في علم النحوِ من جهة الصحة والفساد، يُبحثُ عنه في علم المعاني من جهة الحسن والقبح، وهذا معنى كون علم المعاني تمام علم النحو.
ونصيحتي إلى كل أبناء العربية ان يتعلّموا علمها الأول، وقانونها العام، علم النحو.
وكفى دافعا ومحرّضا لنا أن نعلم أن غير العرب قد حملوا على أكتافهم نظم قواعد العربية وتأسيس علومها، فكتاب (الكتاب) لسيبويه (الفارسي الأصل) يُعدّ دستور اللغة وأروع تدوين لقواعدها النحوية، وعبد القاهر الجرجاني (جرجان من بلاد فارس) مؤسس علم البلاغة، والفيروزآبادي (من شيراز الفارسية) صاحب معجم القاموس المحيط، والجزولي (من البربر المغاربة) صاحب مقدمة النحو الشهيرة. ومهما تقصّينا ما أحطنا ولا أحصينا.
ونحن في منصة (مبين) جامعون لكم ما شرد، ومنقّبون لكم في بطون كتب النحو وقواعد العربية ما يعينكم على أن تتميزوا بلغتكم، لغة العلم والدين والحضارة.