عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على الحوائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمة محسود» . وكانت الحكماء تقول: «سِرُّكَ من دَمِك» . والعرب تقول: «من ارتاد لسِرِّه موضعاً فقد أذاعه» .
ودخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:
إذا مُتُّ فادفِنِّي إِلى جَنبِ كَرمَةٍ … تُرَوّي عظامي بعد موتي عُروقُها
ولا تَدفِنَنّي بالفلاةِ فإنّني … أخافُ إذا ما مُتُّ أن لا أذوقُها
فقال ابن أبي محجن: لو شئتَ ذكرتَ أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك؟ قال: قوله:
لا تسألي الناسَ عن مالي وكثرته …. وسائلي القومَ عن ديني وَعن خُلُقي
قد يعلمُ الناسُ أنّي من سُراتِهمُ … إذا سما بصرُ الرِّعدِيدةِ الفرِقِ
أُعطي السِّنانَ غداةَ الرَوع نِحلتَهُ … وعاملَ الرُمحِ أَروِيهِ من العَلَقِ
وأكشِفُ المأزِقَ المكروبَ غُمَّتُهُ … وأكتُم السرَّ فيه ضربةُ العُنُقِ
وقيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: (ما قلبي له إلا قبر) . وقيل لمزيد: أيّ شيء تحت حضنك؟ فقال: يا أحمق، لِمَ خبّأتُه؟.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: ما استودعت رجلا سرّا فأفشاه فلُمْتُه، لأني كنت أضيَق صدرا حين استودعته.
وكان يقال: من ضاق قلبه اتسع لسانه.
وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا، ولا أراه يطوى عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به؟ قال: لا يا بنيّ ، إنه من كتم سرّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكوننّ مملوكا بعد أن كنت مالكا.
وفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: صونوا أسراركم فإنه لا سرّ لكم إلا في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة بأحد منكم في ظهور شيء منها عنه,
وكان يقال: ما كنتَ كاتمه من عدّوك فلا تظهر عليه صديقك.
وقال جميل بن معمر:
أموت وألقى الله يا بُثنُ لم أبح … بسّرك والمستخبرون كثير
وبثن هي محبوبته بثينة.
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
فَقالَت وَأَرخَت جانِبَ السِترِ إِنَّما …. مَعي فَتَحَدَّث غَيرَ ذي رِقبَةٍ أَهلي
فَقُلتُ لَها ما بي لَهُم مِن تَرَقُّبٍ …. وَلَكِنَّ سِرّي لَيسَ يَحمِلُهُ مِثلي
وقال زهير:
وَالسِترُ دونَ الفاحِشاتِ وَما … يَلقاكَ دونَ الخَيرِ مِن سِترِ
وقال آخر:
فسرّي كإعلاني وتلك خليقتي … وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا
وقال آخر لأخ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سّرِب.