التعريف بعلم التصريف
علم الصرف أو علم التصريف هو صِنوُ النّحو، وأخوه الأصغر. وإذا كانت عناية النحو تتعلّق بحركات الإعراب والبناء على أواخرِ الكلماتَ، فتظهر بها صِحّتُه واستقامته، وينتفي عنها سقمُهُ وفسادُه، فإن علم التّصريف علم يتوغّل في وسط الكلمة وبنيانِها، فيجرّدها من زوائدها وملحقاتها، ويضعُها على ميزانه، ليجمع متفرّقها، ويردّها إلى جذورها وأصولها.
ومن اللغويين الكبار كأبي علي الفارسيّ، من يَعُدّ التصريف قسمًا من النحو، ولهذا يقول في تعريف النحو: النحو علمٌ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، وهو ينقسم قسمين: أحدهما تغيير يلحق أواخر الكلمة، والآخر تغييرٌ يلحق ذوات الكلم وأنفسها (يقصد علم التصريف).
ويعرّفه ابن مالك صاحب الألفية بأنّه: علم يتعلَّق بِبِنْيَةِ الكلمة وما لحروفها من زيادة وأصالة، وصحة واعتلال، وشبه ذلك.
وفي شرح الشافية للرضيّ: علمٌ بأُصولٍ تُعْرَف بها أحوال أبنية الكلمة التي ليست بإعراب.
وهو علم يدخل فيما يقبل التصرف، وهو الأسماء والأفعال، لا الحروف.
وأمّا عن سبب تأليف القواعد، نحواً وصرفًا، فهو شيوع اللحن في لغة العرب، بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجا، واختلط العرب بالأعاجم، وتداخلت اللغات في المجتمع الواحد.
كانت العرب تنطق على سجيتِها، وبما توحي إليها سليقتُها، لا تتعثر ألسنتها في خطأ، ولا يشوب صفو كلامها لحن. ولما انتشر الإسلام وخالط العرب العجم فسدت السليقة العربية، وبدأ اللحن يدبّ إلى الألسنة، وشمل هذا اللحن المفردات والأساليب.
الحاجة إلى علم التصريف
علم النحو وعلم التصريف هما جناحا طائر اللغة المحلّق، وركناها الأساسيّان. ولا يمكن لدارس أن يتقن العربية دون إتقان لهذين العلمين، اللذين لا قوام للغة إلا بهما ولا غناء لها عنهما.
أنت لا تستطيع إدراك الفروق بين قاتل ومُقاتل، وخَارج ومُستخرج، وجامع ومجتمِع، وضارب ومضروب.. وغيرها من الكلمات والصيَغ، إلا إذا عرفت معنى كل صيغة، بتجريدها من زوائدها، وردّها إلى أصولها، ومعرفة معنى الكلمة نفسها، ثم معنى الزيادة اللاحقة بها.
فالعلم بالتصريف يصون اللسان والقلم من الوقوع في الخطأ عند صياغة الجمل والمفردات والنطق بها. وبالتصريف نعرف القواعد الكُليّة وضوابطها الجامعة، التي تؤلف بين شتات اللغة، وتخفف الجهد والمشقة على الدارس والباحث، وتوفر المعاناة في البحث بالمعاجم.
أما ما يتعلّق بحفظ الدين وعلوم الشريعة، فعلم التصريف يحفظ القران الكريم من اللحن الذي أخذ يظهر بعد دخول غير العرب في الإسلام، وبه نتعلم ونفهم النصوص القرآنية التي تعدُّ المصدر الأول لمصادر التشريع.
ولقد طوّع العربُ لُغتَهم، أو إن شئتَ فقلْ: طوّعتهم لغتُهم، وأفاد التصريفُ في تسهيل نطق بعض الكلمات وتخفيف الثِّقْل الذي تحتويه، ووضع علم الصرف القواعد اللازمة لذلك التسهيل. ومن الأمثلة: كلمة حقّ أو حبّ أصلهما: حقق وحبب، فأمكن من خلال التصريف إدغام الحرفين الأخيرين في كل كلمة لتخفيف النطق. والقواعد في ذلك مطّردة يعرفها من له خبرة بذلك الفنّ.
وبالنظر إلى أهميّة علم الصرف والحاجة إليه وتأثيره في مفردات اللغة العربية، نجد أبا البقاء العكبري صاحب (اللباب في علل البناء والإعراب) يعتبر الصرف أهم من النحو، ويروي علّة ذلك فيقول: فائدةُ التصريف حصول المعاني المختلفة المتشعبة عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ؛ فَالْعِلْمُ بِهِ أَهَمُّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّحْوِ فِي تَعَرُّفِ اللُّغَةِ، لِأَنَّ التَّصْرِيفَ نَظَرٌ فِي ذَاتِ الْكَلِمَةِ وَالنَّحْوَ نَظَرٌ فِي عوراضها.
ونصّ على ذلك أيضا الإمام الزركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن).
وما أجمل ذلك الترتيب الذي وضعه الشيخ علي الطنطاوي لعلوم اللغة حين قال: والقطعة الأدبية كالعمارة المشيدة؛ لا بد لبنائها من اختيارِ الحجارةِ وتمييزِ أنواعِها، ثم معرفةِ بنيتِها لئلّا تكون نخِرة أو فارغة، ثم نحتِها بحيث يرُكّب بعضها على بعض، ثم وضع المخطط بحيث يجيء البناء وفق الطلب ومقتضى الحال، داراً أو فندقاً أو حمّاماً، ثم تجصيصها ودهنها، ثم وضع زخارفها وتحسيناتها.
وحجارة البناء الأدبي الكلمات، تُعرَف أجناسها بعلم اللغة، وتركيبها وبناؤها بالصرف، ونحتُ أواخرها حتى يتصلَ بعضُها ببعضٍ بالنحوِ، ووضع القطعة بحسب ما تقتضيه الحال بالمعاني، والافتنان في التعبير بالبيان، والتجميل والتحسين بالبَديع والعروض.
لا تكسلوا، أحبّتي، عن الأخذ بعلمِ التصريف، فبِه يُعرفُ الوضيعُ في فنونِ اللغةِ من الشريف!!
وعلى تلك المنصّة اللغوية (مبين)، سوفَ نقرّب لكم علم التصريف، كأنّه قطعة حلوى، لا تُضامون في فَهمِه وإفهامِه وتفهيمه للمستفهمين عنه بِلُغةٍ سلسةٍ مفهومةٍ وبطريقة أكثر فَهَامَةً وفِهامَةً وفَهَامِيَةً أيها النابهون الفاهمون!!