لفظ الجلالة (الله)، تعالى شأنه وجل ثناؤه وتقدست أسماؤه، مبدوء بالألف واللام، و(ال) عند العرب هي علامة لتعريف النكرة، تقول: ذهبت إلى مدرسة، فلا ندري أي مدرسة، ولكن عندما تقول: ذهبت إلى المدرسة، فهمنا أنك تقصد مدرسة بعينها.
وقد جاءت (ال) بمعنى اسم الموصول (الذي أو التي أو غيرها)، متصلة بالفعل الذي يأتي بعدها.
إلا أن بداية لفظ الجلالة (الله) بـ(ال) كان عجيبا، واختلفت أقوال أهل اللغة في تفسيرها، وهل يمكن فصلها عن الكلمة، وكيف تصير الكلمة بعد الفصل. والذي أوقع علماؤنا في هذا الإشكال أن لفظ الجلالة لم يرد بغير حرفيه الأولين (ال)، ولو مرة واحدة، حتى يوضع اللفظ على مقاييس أهل اللغة.
القائلون بالاشتقاق:
يرى سيبويه إمام النحاة أن لفظ الجلالة (اسم مشتق)، أصله (الإله)، حذفوا الهمزة، وأدغموا لام (ال) في لام الكلمة، فصارتا لامًا واحدةً مُشددةً مُفخّمة (الله).
وقياس سيبويه في ذلك هو كلمة (الناس)، أصله: إناس، فحذت الهمزة ودخلت (ال) عليها.
وقال الكسائي والفراء: أصله الإله، حذفوا الهمزة، وأدغموا اللام الأولى في الثانية، وعلى هذا؛ فالصحيح أنه مشتق من الفعل (ألِه)، ورجح القول بالاشتقاق ابنُ جرير الطبري وابن القيم. وهذا الرأي هو رأي أغلب النحاة وأئمة التفسير.
والمراد بالاشتقاق الاشتقاق المجازي، لا الحقيقي؛ لما فيه من الإيهام؛ وهو أسبقية المشتق منه على المشتق، وأسماء الله كلها قديمة لا يسبقها المشتق منه ولا غيره. فهم لا يعنون بالاشتقاق إلا الملاقاة التامة للمصدر في اللفظ والمعنى، لا أن المشتقات متولدة تولد الفرع من الأصل.
وقالوا: إن اسمه تعالى )الله) دال على صفة له سبحانه، وهي الإلهية أو الألوهية، كسائر أسمائه الحسنى؛ كالعليم، والقدير، والسميع، والبصير، ونحو ذلك، فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها.
ويؤكد ابن جرير الطبري (ت 310هـ) في تفسيره أصل الاشتقاق، فيقول: وأما تأويل (الله) فإنه على معنى ما روي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: هو الذي يُؤلِّهه كل شيء، ويعبده كل خلق، وقال: (الله) ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
أدلّة القائلين بالاشتقاق:
الأول: كونه صفة في كتاب الله، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ﴾ الأنعام: 3، وما دام صفةً فقد امتنع أن يكون اسمَ عَلَمٍ.
الثاني: أن العلم قائم مقام الإشارة، ولما كانت الإشارة ممتنعة في حق الله تعالى، كان اسم العلم ممتنعًا في حقه.
الثالث: اسم العلم إنما يصار إليه؛ ليتميز شخص من شخص آخر يشبهه، وهذا ممتنع أيضًا في حق الله تعالى؛ لأن الأعلام إنما وُضعت للفصل بين ما تشابه ويشتبه؛ ولذلك قال سيبويه: إن العَلَم كأنه مجموع صفات؛ يعني: أنه وضع لترك الإطالة بذكر الصفات، وامتنع أن يكون الله تعالى اسم علم لاستحالة الشبيه والنظير له تعالى.
القائلون بعدم الاشتقاق
يرى ابن العربي المالكي وابو القاسم السهيلي وفخر الدين الرازي وكثير من الأصوليين والفقهاء (ونسب إلى سيبويه أيضا) أن لفظ الجلالة اسم جامد مرتجل، ليس بمشتق البتة، وحجتهم أن الاشتقاق يستلزم مادةً يُشتق منها، واسمه تعالى قديم، والقديم لا مادة له، فيستحيل الاشتقاق. (وقد رد القائلون بالاشتقاق على ذلك كما أسلفنا)
وقالوا: إنه يدل على الذات مجردةً، من غير اعتبار أيِّ صفة، وعلى الموجود الحق الموصوف بصفات الجلال والكمال، دلالةً مطلقةً غير مقيدة بقيد؛ ولأن العرب عاملته معاملة الأسماء الأعلام في النداء، فجمعوا بينه وبين ياء النداء، فقالوا: يا الله، ولو كان مشتقًا لكانت ألفه ولامه زائدتين، وهما أصليتان لازمتان من أصل الكلمة، وردوا على القائلين بالاشتقاق بحجج أيضا.
ويوفق ابن القيم بين الرأيين في (بدائع الفوائد) بقوله: إن اختلاف القائلين بالاشتقاق وعدمه، إنما هو اختلاف شكلي، أما اعتقادهم في أسماء وصفات الله كلها فهو أنها قديمة، والقديم لا مادة له.
ويقول أيضا: إن جميع أهل الأرض علمائهم وجهلائهم، ومن يعرف الاشتقاق ومن لا يعرفه، وعربهم وعجمهم، يعلمون أن (الله) اسم لرب العالمين، خالق السموات والأرض، الذي يحيي ويميت، وهو رب كل شيء ومليكه، فهم لا يختلفون في أن هذا الاسم يُراد به هذا المُسمَّى، وهو أظهر عندهم وأعرف وأشهر من كل اسم وضع لكل مسمى، وإن كان الناس متنازعين في اشتقاقه، فليس ذلك بنزاع في فهم معناه.