لم يشتهر في النحو كتاب كألفيّة ابن مالك، حيث عدّها الدارسون نبراساً إلى تعلّم قواعد العربية، واعتبرها الشرّاح والعلماء المتن الأصلي الذي يرجع إليه علم النحو والتصريف فأوسعوها شرحا وتعليقا.
والعجيب ان لابن مالك مؤلفات رصينة فريدة غير الألفية، وهو ما يدلّ على تمكّنه في علوم العربية. فهيّا بنا نتعرف على هذه النفحة الأندلسية لأبناء العروبة.
من هو؟ هو أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني، وشهرته ابن مالك، ويُكتفى في اسمه بـ(محمد بن مالك) كما ذكر هو نفسه في مطلع ألفيّته بقوله:
قال محمد هو ابن مالكِ أحمدُ ربي الله خيرَ مالِكِ
وتشير أكثر الروايات إلى أن ابن مالك ولِد في الأندلس سنة 600 هـ.
نشأته وتعليمه: بدأ محمد بن مالك دراسته في بلده بحفظ القرآن الكريم، ودراسة القراءات والنحو والفقه على مذهب الإمام مالك، فأخذ العربية والقرآن ببلدة (جيّان) عن ثابت بن خيار الكلاعي من أهل لبّة. وقد ذكر ابن مالك لبعض تلاميذه أنه قرأ على ثابت بن خيار من أهل بلده جيان، وأنه جلس في حلقات الأستاذ أبي علي الشلوبين نحوًا من ثلاثة عشر يومًا.
ثم رحل ابن مالك إلى المشرق في ريعان شبابه، ويبدو أن رحلته كانت بين عام 625 هـ، وعام 630 هـ، وذلك بسبب الفتن والاضطرابات أولا، وكذلك على عادة أكثر علماء الأندلس حينذاك للحج والدراسة ثانيًا.
قدم ابن مالك دمشقَ وسمع من علمائها، ثم توجه إلى حلب، وتلقى النحو على ابن يعيش شارح المفصّل للزمخشري، وعلى تلميذه ابن عمرون، وأغلب الظن أنه حضر جانبًا من شرح المفصل عند ابن يعيش. ونبغ ابن مالك في اللغة والنحو نبوغًا عظيمًا حتى صار مضرب المثل في معرفته بدقائق النحو والصرف واللغة وأشعار العرب.
إمامته: وقام بالتدريس في مدينة حلب بعد أن أتمّ دراسته اللغوية، وكان إمام المدرسة السلطانية فيها، فأخذ يلقي بحلب دروسه في النحو ويؤلف. ثم ارتحل إلى حماة من البلاد الشامية وأقام بها ونشر فيها علمًا، وتابع دروسه في النحو ونظَم ألفيته المشهورة. وعاد ابن مالك إلى دمشق مرة أخرى، حيث أقام بها يشتغل بالتدريس والتصنيف، وتكاثر عليه الطلبة وحاز قصب السبق، وصار يُضرَب به المثل في معرفة دقائق النحو وغوامض الصرف وغريب اللغات وأشعار العرب، وألّف المصنفات المفيدة في فنون العربية الذي لم يُسبَق إلى مثله.
وقام ابن مالك بالتدريس في الجامع الأموي والمدرسة العادلية الكبرى بدمشق، وقد عيّن إمامًا لها، وكان أكثر ما يلقيه على تلاميذه النحو، كما كان يدرّس القراءات. وقيل: كان يخرج على باب مدرسته ويقول: هل من راغب في علم الحديث أو التفسير أو كذا أو كذا قد أخلصتها من ذمّتي؟ فإذا لم يُجَبْ قال: خرجتُ من آفة الكتمان.
تلاميذه: ومن تلاميذه الشيخ بهاء الدين بن النحاس، ونابغة الشام الإمام النووي، والعلَم الفاروقي، والشمس البعلي، والزين المزّي.
مؤلفاته: عاش ابن مالك أكثر من سبعين عامًا، قضى أكثرها في الدراسة والتعليم والتصنيف، وكان نظم الشعر عليه سهلا رجزُه وطويله وبسيطه، وكان مشهورًا بنظم الضوابط التي تسهل الأمور على المتعلمين، فأخرج كثيرًا من مؤلفاته النحوية واللغوية نظمًا.
ومن أشهر مؤلفاته: الكافية الشافية في النحو والصرف (منظومة طويلة تقع في حوالي ثلاثة آلاف بيت)، والخلاصة أو الألفية (منظومة تقع في نحو ألف بيت من الرجز، وهي خلاصة الكافية الشافية)، والتسهيل أو تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، وشرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ، وشواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، ولامية الأفعال، وغيرها.
وكان كثير العناية بشواهد القرآن الكريم في مؤلفاته، فربط الدارسين بآيات القرآن ومعانيه.
وقد توفي في دمشق سنة 672 هـ، رحمه الله وأجزل عطاءه.
هلمّوا يا أبناء العربية.. اجتهدوا في إتقان لغتكم علما وتعليما، فابن مالك الأندلسي هجر الأندلس وغصنها الرطيب، وقضى حياته في دمشق يتعلم العربية ويعلّمها حتى قضى نحبه.
جزاه الله عن أهل العربية أعظم الجزاء وأوفاه.