المدحُ والذّمُّ أساليب للتعبير عن مشاعر إنسانية، ومن عادة العرب أن يمدحوا ويذُمُّوا، وكان ديوانهم الشعريّ مليئا بخصالٍ للفخر يمتدح شعراؤهم ومفاخروهم بها، وغاصّاً أيضاً بخصال الذَّمِّ يهجو بها بعضهم بعضا.
والعربيّ سهل الطبع، ذو نفس بسيطة لا تميل إلى التكلّف والتعسّف، فهو إن أحبّ ظهر ذلك على لسانه فمدح، وإن كره ظهر على لسانه فذمَّ وهجا.
ولكي يسهل على العربي ان يمدحَ ويذمَّ، كانت لهم أساليبهم الخاصّة التي يلجؤون إليها، ومنها ما يُعرفُ بأفعال المدح والذم.
وأفعال المدح عندهم هي (نعْمَ وحبّ وحبّذا).
وأفعالُ الذمِّ عندهم هي (بئس وساء ولا حبّذا).
وهي أفعالٌ لإنشاءِ المدح أو الذم فجُملها إنشائيةٌ لا خبرية، وغير طلبية، ولا بُدَّ لها من مخصوصٍ بالمدح أو الذم.
وهي غير محتاجة إلى التصرف، للزومها أسلوباً واحداً في التعبير.
ونطوف بكم عبر منصّة (مبين) حول حَبَّذا وأختيها: حَبَّ، ولا حَبَّذا.
أما حَبَّذا وحَبَّ، فهما فعلان لإنشاءِ المدح.
فأما “حبَّذا” فهي مُركَّبةٌ من “حَبَّ” و”ذا” اسم الإشارة، نحو (حبّذا رجلاً خالدٌ).
وإعرابها:
- حبّ: فعلٌ ماضٍ،
- ذا: اسم اشارة، وهو فاعل (حبّ)،
- ورجلاً: تمييز لـ(ذا)
- وخالدٌ: مبتدأ مرفوعٌ مؤخٌّر، خبره جملة (حبّذا) الفعلية المقدَّمة عليه. وهو المخصوص بالمدح.
ولا يتقدم على (حَبَّذا) المخصوصُ بالمدح، ولا التّمييزُ فلا يُقالُ (خالدٌ حبّذا رجلا) ولا (رجلاً حبّذا خالدٌ).
و (ذا) في (حَبَّذا) تَلتزم الإفرادَ والتذكيرَ في جميع أحوالها، وإن كان المخصوصُ بخلاف ذلك.
ومن تصاريف الشعراء قول أحدهم: ألا حبَّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ، فـ(ذا) مذكر، والمخصوص بالمدح مؤنث.
ويجمع الشاعر بين المدح والذمّ في بيتٍ واحد فيقول:
ألا حبَّذا عاذري في الهوى … ولا حبَّذا الجاهلُ العاذلُ
وتدخل (يا) على (حبَّذا) فتقول: يا حبّذا المتابعون لمنصّتنا، المحبّون للغة العربية.
إعراب ما بعدها: وحبَّذا ترفع الأسماءَ وتنصب ما يأتي بعد المعرفة من النكرة كقولك: حبذا زيدٌ رجلاً وحبذا محمدٌ عالماً رجلاً.
وإذا كان الخبر نكرة، رفعت الاسمَ ونصبت الخبرَ فقلت حبذا عبدُ الله رجلاً، نُصِبَ رجلاً على الحال لأنه نكرة.
فإن كان الخبر معرفةُ رفعتَ، فقلت حبذا عبدُ الله أخونا لأنك وصفت معرفة بمعرفة.
يا حبّذا أحبابنا أهل اللغة.. لا تتوقفوا عن تعلّمها وتعليمها..
دمتم بخير.