أبواب اللغة العربية

من عيون الكلام

تقدّم لك الأعاريب قطوفاً دانياتٍ من أقوال العرب الحكماء شعرا ونثراً.

هنا ترى الحكمة العربية قريبة .. تفهمها وتسكن روحك وتستخدمها فيرتفع قدرك يا شبل العربيّة.

فهرس المقالة

من عيون الكلم الفهم و الإفهام و الطلب والتثبيت

من منثور الحكمة العربية من الامثال والحكم للماوردىّ

كثّير عزّة و عبدالملك ابن مروان

من عيون الكلم الفهم والإفهام والطلب والتثبت

جاء في البيان والتبيين للجاحظ (2/ 27):

وإنما مدارُ الأمورِ والغاية التي يُجرَي إليها، الفَهم ثمّ الإفهام، والطّلبُ ثم التثبّت.

وقال عمرو بن العاص: ثلاثة لا أَمَلُّهُم: جليسي ما فَهم عني، وثوبي ما سترني، ودابّتي ما حملت رجليّ.

وذكر الشعبي ناسا فقال: ما رأيتُ مثلهم أشدَّ تنابذاً في مجلسٍ، ولا أحسن تفهّما عن محدّث.

ووصف سهل بن هارون رجلا فقال: لم أر أحسنَ منه فهماً لجليل، ولا أحسنَ تفهُّما لدقيق.

وقال سعيد بن سلم لأمير المؤمنين المأمون: لو لم أشكر اللهَ إلا على حُسنِ ما أبلاني في أمير المؤمنين، من قصدِه إليّ بحديثه، وإشارته إليّ بطرفه، لقد كان ذلك من أعظم ما تفرضه الشريعة، وتوجبُه الحريّة. فقال المأمون: لأن أمير المؤمنين يجد عندك من حسن الإفهام إذا حَدّثت، وحُسن التفهّم إذا حُدّثت، ما لم يجد عند أحد فيمن مضى، ولا يظن أنه يجده فيمن بقي.

وقال له مرة أخرى: والله إنك لتستقفي حديثي، وتقف عند مقاطع كلامي، وتخبر عنه بما كنت قد أغفلته.

وقال أبو الحسن: قالت امرأة لزوجها: ما لك إذا خرجت إلى أصحابك تطلّقت وتحدثت، وإذا كنت عندي تعقدّت وأطرقت؟ قال: لأنني أجِلُّ عن دقيقِك، وتدِقّين عن جليلي! ويعني أن كلّ واحد منهما لا يفهم الآخر لاختلاف الأفهام.

وقال أبو مسهر: ما حدثت رجلا قط إلا أعجبني حسن إصغائه، حفظ عني أم ضيع.

وقال أبو عقيل بن درست: نشاط القائل على قدر فهم المستمع.

وقال أبو عبّاد كاتب أحمد بن أبي خالد: للقائل على السامع ثلاث: جمع البال، والكتمان، وبسط العذر.

وقال أبو عبّاد: إذا أنكر القائل عيني المستمع فليستفهمه عن منتهى حديثه، وعن السبب الذي أجرى ذلك القول له: فإن وجده قد أخلص له الاستماع أتمّ له الحديث، وإن كان لاهيا عنه حرمه حسن الحديث ونفع المؤانسة، وعرفه بفُسولة الاستماع، والتقصير في حق المحدث. والفسولة هي الضعف والحمق.

وأبو عبّاد هذا هو الذي قال: ما جلس بين يدي رجل قط إلا تمثّل لي إني سأجلس بين يديه.

وذمّ بعض الحكماء رجلا فقال: يحزِمُ قبل أن يعلم، ويغضب قبل أن يفهم.

وقال عمر بن الخطاب t في بعض رسائله إلى قضاته: الفّهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك.

ولا يمكن تمام الفهم إلا مع تمام فراغ البال.

يا لها من نصائح في أدب الحديث وأدب الإنصات والاستماع، فاحفظوها وطبّقوها أيها الأكارم حتى نوافيكم بالمزيد.

من منثور الحكمة العربية من الأمثال والحكم للماورديّ

مَنْ فَعَلَ الخيرَ فبنفسه بَدَا، ومَنْ فَعل الشرَّ فعَلَى نَفسِهِ جنى.

مَنْ أبْصَرَ عَيبَهُ لم يَعِبْ أحَدًا، وَمَنْ عَمي عنهُ لم يَرْشُدْ أبَدًا.

مَنْ لَمْ يَكُنْ له مِنْ نفسِهِ زَاجرٌ، لم تَنْفَعْهُ الزَّوَاجر.

مَنْ ظَلَم يتيمًا ظَلَمَ أولادَهُ، وَمَنْ أفسَدَ أمرَهُ أفْسدَ مَعَادَهُ.

مَنْ أحبَّ نفسَهُ اجتنَبَ الآثامَ، ومن أحَبَّ ولدَهُ رَحِمَ الأيتامَ.

مَنْ بَخِلَ على نفسِهِ لَمْ يتَّصِلْ به تَأميلٌ، ومن أَسَاءَ إلى نفسِهِ لمْ يُتَوَقَّعْ منه جَميلٌ.

مَنْ سالَمَ الناسَ رَبِحَ السَّلامَةَ، وَمَنْ تَعَدَّى عَلَيْهمْ كَسِبَ النَدامَةْ.

مَنْ مَكَّنَ مِنْ مَظْلومٍ زالَ إمْكانُهُ، ومَنْ أحْسَنَ إلى ظَلومٍ بَطَلَ إحسانهُ.

مَن سَلَّ سَيْف البَغْي، أغمدَه في رأسِهِ، ومن أسَّس أساس السُوء أسّسهُ على نَفْسِهِ.

مَنْ استَصلَحَ عدوَّهُ زاد في عَدَدِهِ، ومن اسْتَفسَد صَديقَهُ نقص من عُدَدِه.

مَنْ لَمْ يَعْملْ لنفسِهِ عَمِلَ للنَّاس، ومَن لم يَصْبرْ على كدِّهِ صَبَرَ على الإفْلاسِ.

مَنْ ضَيَّعَ أمرَهُ ضَيَّع كلَّ أمْرٍ، ومَنْ جَهِلَ قَدْرَهُ جَهِلَ كُلَّ قَدْرِ.

مَنْ اغتَرَّ بمطاوعَةِ القَدَرِ، امْتُحِنَ بمقَارعَةِ الغِيرَ.

قال يَزيد بن عمر النَّخَعِيُّ:

الحِلْمُ عِنْدَ ذَوي الألبَابِ موعِظَةٌ … وبَعْضُهُ لِسفيهِ الرأي تَدْريبُ

وقال الحارِثُ بن حِلَّزَة:

وفي الصَّبرِ عنْدَ الضِّيقِ للمرءِ مَخْرَجُ … وفي طُول تَحْكيمِ الأُمورِ تَجاربُ

وقال رفاعةُ بن جَندَلة الحنفي:

فقلتُ لها إنَّ المطالِبَ تُرْتَجى … لِنُجْحٍ وكَمْ من مُنْجِح غيرُ طالبِ

وقال نَصيح الأُسدِي:

ألَم تَرَ أَنَّ اليومَ أَسْرَعُ ذاهِبٍ … وأَنَّ غدًا للناظِرين قَريبُ

وقال النَّمِرُ بن تَوْلب:

وإذا تُصبْكَ خَصَاصَةٌ فارْجُ الغِنَى … وَإلى الذي يُعْطي الرَغائِبَ فارْغَب

كُثيّر عزّة وعبد الملك بن مروان

دخل كُثيّر عَلَى عبد الملك بْن مروان، رحمه الله، فقَالَ عَبْد الملك بن مروان: أأنت كُثيّر عزة؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقَالَ: يا أمير المؤمنين، كلّ عند محله رحبُ الفناء، شامخُ البناء، عالي السناء، ثم أنشأ يَقُولُ:

تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ …. وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ هَصُورُ

وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ … فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ

بُغاثُ الطَيرِ أَكثَرُها فِراخاً … وَاُمُّ الصَقرِ مِقلاةٌ نَزورُ

ضِعافُ الطَيرِ أَطوَلُها جُسوماً … وَلَم تَطُلِ البُزاةُ وَلا الصُقورُ

ضِعافُ الأُسدِ أَكثرُها زَئيراً … وَأَصرَمُها اللَواتي لا تَزيرُ

لَقَد عَظُمَ البَعيرُ بِغَيرِ لُبِّ … فَلَم يَستَغنِ بِالعِظَمِ البَعيرُ

يُصَرِّفُهُ الصَبيُّ بِكُلِّ وَجهٍ …. وَيَحبِسُهُ عَلى الخَسفِ الجَريرُ

وَتَضرِبُهُ الَوليدَةُ بِالهَراوى …. فَلا غِيَرٌ لَدَيهِ وَلا نَكيرُ

فَإِن أَكُ في شِرارِكُمُ قَليلاً … فَإِنّي في خِيارِكُمُ كَثيرُ

فقَالَ عَبْد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأضبط جنانه، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه.