كلماتنا الدارجة كثير منها يقترب من الفصيح بتعديلات بسيطة.
تتجول بك الأعاريب عبر اللهجات المختلفة لتقدّم لك البديل الفصيح الذي يمكن استخدامه لتصبح فصيحا.
وعبر منصتنا التعليمية نقدم لك برنامجا تدريبياً ينقلك من العامية الدارجة إلى اللغة الفصيحة السهلة القريبة.
مين معايا؟!
فلان جاب الحلوى
أصل كلمة بلاش
ينتشر هذا السؤال في كثير من البيئات العربية، وربما بزيادة حرف أو حذف حرف أو ما شابه ذلك. وهو قريب الصلة جدا باللسان العربي.
فكلمة (مِين) هي في الأصل (مَن) الاستفهامية.
ومَعَايَا أو مَعَاي.. هي في الأصل (معي) أي (مع) ومضاف إليها ضمير المتكلم.
وقد حوّرت اللهجات العامّيّة والنبطية هذه الكلمات الفصيحة.
وأصيبت الضمائر الأخرى المتصلة بـ(مع) بنفس الداء فتحوّلت معكَ ومعكِ ومعهم ومعكم ومعه إلى معاك ومعاكي ومعاهم ومعاكم ومعاه على الترتيب.
و(مَع) ظرف، ويشيع خطأً إعرابها كحرفٍ من حروف الجر؛ وهي ظرف لأنّه يمكن إدخال التنوين إليها كأن تقول: معًا، وتُعرب مع على ثلاثة أوجه وهي:
ظرف مكان، إذا تمت إضافتها إلى المكان، مثل قولك: أنا معكم.
وظرف زمان، إذا تمت إضافتها إلى الزمان، مثل قولك: جئتُ مع شروق الشمس.
وحال، مثل قولك: جاؤوا معًا.
من السهل عليك أن تفصّح لغتك وتقول: من معي؟ وتعالوا معي. وهيا معاً.
ينتشر الفعل جاب أو يجيب في العامّيّة الدارة بشكل شائع، وتلحق بها الضمائر أيضا! تقول: جابه وجابني وجبتُه. ويُقصد بهذا الفعل معنى الفعل الفصيح: أحضره أو أتى به.
فلان جاب الحلوى: أي أحضرها وأتى بها.
وما يزيد الإشكال في هذا الفعل هو أن له أصلا في العربية، ويعني القطع أو الخرق أو النقب.
في لسان العرب: جابَ الشيءَ جَوْباً واجْتابَه: خَرَقَه. وجابَ الصخرةَ جَوْباً: نَقَبها. وفي التنزيل العزيز: وثَمُودَ الذين جابُوا الصَّخْرَ بِالوادِ.
وأغلب الظن أن هذا الفعل منحوت من الفعل (جاء) بإضافة حرف الجر (الباء)، ويدل على ذلك انطباق المعنى تمام الانطباق في كل الأحوال إذا عوضت محل الفعل العامّيّ (جاب) بالفعل الفصيح (جاء) مضافا إلى حرف الجر (الباء)، وهاكم الأمثلة:
جاب الحلوى = جاء بالحلوى
جابه معه = جاء به معه
جبتُكم هنا = جئتُ بكم هنا
جاب سيرة فلان = جاء بسيرة فلان
إذن، لتعلم يا صديقي أنه لا يوجد فعل في العربية اسمه (جاب) بمعنى أحضر، والقصة كلها نحت في نحت!!
إياك إياك أن تجيء بهذا الفعل دون أن تعيده إلى أصله حتى تكون فصيحاً.
يشيع في العامّيّة الدارجة استخدام كلمة (بَلَاش)، وتعنى بالمجّان أو بلا مقابل، وبلّش بمعنى ترك فعل الشيء. يقولون: فلان بلّش، أي تراجع ولم يفعل الشيء. وفي اللهجة الشامية بلّش تعني عندهم: بدأ في العمل.
وبعد طويل بحث في معاجم اللغة لم نعثر على أصل لكلمة (بلش)، بل إنهم فسّروا ما ورد قريبا من هذا الأصل على أصول أخرى.
وفي تاج العروس للزبيدي: وممّا يُسْتَدْرَك عَليْه: البَلَشُونُ، بفَتْحَتَيْن وضَمٍّ: طائِرٌ مَعرُوفٌ، وَقد أَهْمَلَه الجَمَاعَةُ، وأَظُنُّه البَلَصُوصُ، الَّذي ذكرَه المصنّف فِي ب ل ص. وقَرْيَةٌ بمِصْرَ أَيضاً، تُعْرَف ببَلَشُونَ. وبَلَّشُ، كَبقَّم: حِصْنٌ بالمَغْرِب، إِلَيْهِ يُنْسَب قَاضِيه مُحَمَّدُ بنُ الصَّعْتَر، الشَّاعِر، نَقَلَ عَنهُ أثِيرُ الدِّينِ أَبُو حَيّانَ شيْئاً من شِعْرِه، بالمَوْضِع المَذْكُور، كَذَا فِي وَفَياتِ الصَّفَدِيّ، رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن نذهب إلى ما تأوي إليه كلمات العامّيّة وتصدر عنه، وهو النحت.
فالكلمة منحوتة من حرفين واسم هي (بلا شيء)، فأزيلت الياء والهمزة في آخر (شيء) كعادة العامّيّة في إزالة الأطراق ولزق الكلمات إلى بعضها بلا ضابط سوى التخفيف لكثرة الاستعمال.
ويؤيد ما ذهبنا إليه ما نراه في أخوات كلمة (بلاش) كأن تقول:
ما معيش، وتقصد: ما معي شيء
ما فيش، وتقصد: ما في شيء
ما يجيش، وتقصد: ما يجيء شيء
ما سمعتش، وتقصد: ما سمعت شيئا
وهكذا ترى العامّيّة تصعّب من مهمتنا، ولا تحتاج في التخلي عنها إلى الفصحى إلا تغييرا بسيطا.
هيا إلى الفصحى أيها الرفاق، وبلا شيء من الكسل أعانكم الله.