الفصيح في معاجم اللغة هو صفة اللبن الذي تحت الرغوة الذي تظهر على سطحه عند حلبه، قال الشاعر:
وتحت الرّغوة اللّبن الفصيح
يعني هذا اللبنُ النقي المستخلص المركّز بدون هذه الرّغوة.
وعند الراغب الأصفهاني: إذا تعرّى من الرغوة فأفصح اللبن إذا زال عنه اللبأ، وأَفصح العجمى إذا خلص من اللكنة، وفَصح الرجل جادت لغته، وأفصح تكلم بالعربية.
والفصاحة عندهم أقسام:
الفصاحة في المفرد، أي فصاحة اللفظ الواحد، فهي خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي. وبعضهم أضاف إليها: خلوصه من الكراهة في السمع.
فالكلمات التي تتنافر حروفها ويمجّها الطبع السليم غير مقبولة في ميزان الفصاحة.
وأما فصاحة الكلام: فهي خلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد، مع فصاحة المفردات في الأصل.
ومنه قول القائل: ضرب غلامُه زيدًا؛ فإن رجوع الضمير إلى المفعول المتأخر لفظا ممتنع عند الجمهور.
وقد تتنافر الكلمات إذا اجتمعت لتكرار حروفها فيكون الكلام بالجملة غير فصيح، مهما كانت فصاحة مفرداته، ومن المشهور في ذلك ما أنشده الجاحظ:
وقَبرُ حَربٍ بمكانٍ قَفرٍ *** ولَيسَ قُربَ قَبرِ حَربٍ قَبرُ
وبالعود إلى بيت امرئ القيس الذي يقول فيه:
غدائرُه مُسْتَشْزِراتٌ إلى العُلا … تَضِلّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ.
والغدائر مفردها غديرة وهى الذّؤَابَةُ المَضْفُورَةُ من شعر المرأة.
ومُسْتشْزرات إلى العُلا: أي مرتفعات إلى أعلى تضلّ الأمشاط أثناء ذهابها فيه.
والبيت من معلّقة امرئ القيس، والمعلّقات هي درة تاج الشعر العربي الجاهلي.
ولا يحتاج القارئ إلى تعليمٍ وتدريبٍ ليعلم أنّ كلمة (مُسْتشْزرات) قد أتلفت البيت وعكّرت على القارئ صفو نسيب القصيدة وغزلها، ونبا بها موضعها.
وقد اعترض الخطيب القزويني أحد أكبر شيوخ البلاغة على تلك الكلمة، بل عدّها منافيا للفصاحة. ومثّل بها في فصاحة المفرد، تحت قسم (تنافر الحروف).
والفصاحة في المتكلّم مَلَكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود، بلفظ فصيح.
هذا شأن الفصاحة، وهي كالتأسيس لعلم البلاغة الذي يعني مطابقة الكلام لمقتضى الحال، مع فصاحته.
وأنت واجد على منصتنا (مبين) صنوفا وألوانا من الدرس البلاغيّ، تنمّي لديك الذائقة البلاغية، وتشنّف سمعك بأحاديث البلغاء.
وفي القسم التعليمي نعدّ لك دورات متعددة من الدّرس البلاغي تضعك على اتصال دائم بأئمة البلاغة والفصاحة الكبار، عسى أن تكون جاحظاً أو جرجانياً أو مبرّدا جديدا.