علوم اللغة العربية

من فنون النثر

درس بلاغة

 المجاز المرسل (1)

المجاز: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب لعلاقةٍ، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي، والعلاقة: هي المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، قد تكون (المشابهة) بين المعنيين، وقد تكون غيرها.

فاذا كانت العلاقة (المشابهة) فالمجاز (استعارة)، وإلا فهو (مجاز مرسل) والقرينة هي المانعة من إرادة المعنى الحقيقي، قد تكون لفظية، وقد تكون حالية.

وينقسم المجاز: إلى أربعة أقسام (1) مجاز مفرد مرسل، (2) مجاز مفرد بالاستعارة (ويجري هذان القسمان في الكلمة) (3) مجاز مركب مرسل، (4) مجاز مركب بالاستعارة (ويجري هذان القسمان في الكلام.

ومتى أطلق المجاز، انصرف إلى (المجاز اللّغوي)

وأنواع المجاز كثيرة: أهمها (المجاز المرسل)، وهناك (المجاز العقلي) ويجرى في الإسناد.

أولا: المجاز المفرد المرسل

هو الكلمة المستعملة قصداً في غير معناها الأصلي لملاحظة علاقة غير (المشابهة) مع قرينة دالّة على عدم إرادة المعنى الوضعي الأصلي.

وله علاقات كثيرة، أهمها:

  • السببية، وهي: كون الشيء المنقول عنه سبباً، ومؤثراً في غيره، وذلك فيما إذا ذكر لفظ السبب، وأريد منه المسبب، نحو: رعت الماشية الغيث، أي النبات، لأن الغيث أي (المطر) سبب فيه. وقرينته (لفظية) وهي (رعت) لأن العلاقة تعتبر من جهة المعنى المنقول عنه. ونحو: لفلان على يد: تريد باليد: النعمة، لأنها سبب فيها.
  • والمسبَّبية (ذكر ما يؤول)، وهي أن يكون المنقولُ عنه مسبَّباً، وأثراً لشيء آخر وذلك فيما إذا ذكر لفظ المسبَّب، وأريد منه السبب، نحو: (وينزل لكم من السماء رزقا) أي: مطراً يسبِّب الرزق.
  • والكلِّية، وهي كون الشيء متضمناً للمقصود ولغيره، وذلك فيما إذا ذكر لفظ الكل، وأريد منه الجزء، نحو (يجعلون أصابعهم في آذانهم) أي أناملهم، والقرينة (حاليّة) وهي استحالة ادخال الأصبع كله في الأذن ونحو: شربت ماء النيل – والمراد بعضهُ، بقرينة شربت.
  • والجزئية، وهي كون المذكور ضمن شيء آخر، وذلك فيما إذا ذكر لفظ الجزء، وأريد منه الكل، كقوله تعالى (فتحريرُ رقبة مؤمنة) ونحو: نشر الحاكم عيونه في المدينة، أي الجواسيس، فالعيون مجاز مرسل، علاقته (الجزئية) لأن كل عين جزء من جاسوسها، والقرينة الاستمالة.
  • واللازمية، وهي كون الشيء يجب وجوده، عند وجود شيء آخر لكونه من لوازمه، نحو: طلع الضوء، أي الشمس، فالضوء مجاز مرسل علاقته (اللازمية) لأنه يوجد عند وجود الشمس، والمعتبر هنا اللزوم الخاص، وهو عدم الانفكاك.
  • والملزومية، وهي كون الشيء يجب عند وجوده وجود شيء آخر، نحو: ملأت الشمس المكان، أي الضوء فالشمس مجاز مرسل علاقته (الملزومية) لأنها متى وجدت وجد الضوء، والقرينة (ملأت).
  • والآلية، وهي كون الشيء واسطةً لإيصال أثر شيء إلى آخر وذلك فيما إذا ذكر اسم الآلة، وأريد الأثر الذي ينتج عنه، نحو (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) أي ذكراً حسناً – (لسان) بمعنى ذكر حسن (مجاز مرسل)، علاقته (الآلية) لأن اللسان آلة في الذكر الحسن.
  • والتقييد والاطلاق: وهو كون الشيء مقيداً بقيد أو أكثر نحو: مشفر زيد مجروح – فإن المشفر – لغة: شفة البعير، ثم أريد هنا مطلق شفة، فكان في هذا منقولا عن المقيد إلى المطلق، وكان مجازا مرسلا، علاقته التقييد، ثم نقل من مطلق شفة، إلى شفة الانسان، فكان مجازاً مرسلا: بمرتبتين، وكانت علاقته (التقييد والإطلاق)
  • والعموم، وهو كون الشيء شاملاً لكثير، نحو قوله تعالى (أم يحسدون الناس) أي «النبي» صلى الله عليه وسلم، فالناس مجاز مرسل، علاقته العموم، ومثله قوله تعالى (الذين قال لهم الناس) فان المراد من الناس واحد، وهو (نعيم بن مسعود الاشجعي)
  • والخصوص، هو كون اللفظ خاصاً بشيء واحد، كإطلاق اسم الشخص على القبيلة – نحو ربيعة – وقريش.
  • واعتبار ما كان، وهو النظر إلى الماضي: أي تسمية الشيء باسم ما كان عليه، نحو: (وآتوا اليتامى أموالهم) أي الذين كانوا يتامى ثم بلغوا، فاليتامى: مجاز مرسل، علاقته (اعتبار ما كان) وهذا إذا جرينا على أن دلالة الصفة على الحاضر حقيقة، وعلى ما عداه مجاز.
  • واعتبار ما يكون، وهو النظر إلى المستقبل، وذلك فيما إذا أطلق اسم الشيء على ما يؤول إليه، كقوله تعالى (إني أراني أعصر خمراً) أي: عصيرا يؤول أمره إلى خمر، لأنه حال عصره لا يكون خمراً، فالعلاقة هنا: اعتبار (ما يؤول إليه) ونحو: (ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) والمولود حين يولد، لا يكون فاجراً، ولا كافراً، ولكنه قد يكون كذلك بعد الطفولة، فأطلق المولود الفاجر، وأريد به الرجل الفاجر، والعلاقة، اعتبار (ما يكون).
  • والحاليّة، وهي كون الشيء حالّا في غيره، وذلك فيما إذا ذكر لفظ الحال، وأريد المحل لما بينهما من الملازمة، نحو: (ففي رحمة الله هم فيها خالدون) فالمراد من (الرحمة) الجنة التي تحل فيها الرحمة، فهم في جنة تحل فيها رحمة الله، ففيه مجاز مرسل، علاقته (الحالّيّة) وكقوله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) أي لباسكم، لحلول الزينة فيهن فالزينة حال واللباس محلها، ونحو: أرى بياضاً يظهر ويختفي، وأرى حركة تعلو وتسفل.
  • والمحلية، وهي كون الشيء يحلُّ فيه غيره، وذلك فيما إذا ذكر لفظ المحل، وأريد به الحال فيه، كقوله تعالى (فليدعُ ناديهُ) والمراد من يحل في النادي. وقوله تعالى (يقولون بأفواههم) أي ألسنتهم، لأن القول لا يكون عادة إلا بها.
  • والبدلية، وهي كون الشيء بدلاً عن شيء آخر، كقوله تعالى (فإذا قضيتم الصلاة) والمراد: الأداء.
  • والمُبدَلية – هي كون الشيء مُبدَلاً منه شيءٌ آخر، نحو أكلت دم زيد، أي ديتهُ، فالدم (مجاز مرسل) علاقته (المبدلية) لأن الدم: مبدل عنه (الدية)
  • والمجاورة، وهي كون الشيء، مجاوراً لشيء آخر، نحو كلمت الجدار والعامود، أي الجالس بجوارهما، فالجدار والعامود مجازان مرسلان (المجاورة)
  • والتعلق الاشتقاقي، وهو إقامة صيغة مقام أخرى – وذلك كإطلاق المصدر على اسم المفعول، في قوله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، أي مصنوعه. وإطلاق اسم الفاعل على المصدر، في قوله تعالى (ليس لوقعتها كاذبة) أي تكذيب. وإطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول، في قوله (لا عاصم اليوم من أمر الله)، أي لا معصوم. وإطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل في قوله تعالى (حجاباً مستورا) أي ساتراً. والقرينة على مجازيّة ما تقدم، هي ذكر ما يمنع ارادة المعنى الأصلي.